مقال ( السلام مع الجسد )
اسم الكاتب : رهيف السريحيني
" لقد تمنيتِ أن تحققي السلام مع جسدك "
عبارة استوقفتني في كتابٍ أقرؤه ..
السلام !
هل يُنشَدُ السلام إلا في حالات الحروب و النزاعات و
التصارع ؟
إذاً ما علاقتك بجسدك ؟
هل جربت أن تسأل نفسك هكذا سؤال من قبل ؟ هل كان لجسدنا حيّز من التفكير و
قدْر من الاهتمام و جزء من الوقت حتى نتساءل عن طبيعة علاقتنا بأجسادنا ؟
( السلام مع الجسد ) باعتباره طرفاً مستقلاً مع مَنْ
يُسالم ؟ معنا ؟ مع روحنا ؟ مع عقلنا ؟
هل نحن منفصلين أم متصلين ؟
v تعددت النظريات التي تفسر علاقة العقل مع الجسد و تصنف ماهية العقل و الجسد
:
-
النظرية
"الواحدية" في تفسير العلاقة بين العقل والجسد، وترى أنّ الجسد والعقل هما
جوهر واحد .
-
بينما ترى النظرية
الفيزيائية أنّ كلاً من العقل والجسد عبارة عن مادة .
-
في حين ترى نظرية
"الواحدية المثالية" أنّ العقل والجسد متمركزان، أو كلاهما متمركز في العقل.
-
ترى "الواحدية
الطبيعية" أنّ كلاً منهما يمكن إرجاعه إلى جوهر ثالث "محايد".
§
"الثنائية
الديكارتية". ويرى "ديكارت" أنّ الإنسان مركب من عنصرين منفصلين تمام
الانفصال، العقل وماهيته التفكير، والجسم وماهيته الامتداد، هذه الثنائية تنفي وجود
اتصال بين العالم العقلي والعالم المادي. مع ذلك لا ينكر حدوث تفاعل بين العقل والجسم،
فالعقل يؤثر في الجسم، والظواهر الجسمانية تؤثر في العقل.
§
الثنائية الحزمية
"bundle dualism" : هذه النظرية ترجع
إلى "هيوم " فالعقل عنده هو مجموعة
من الأفكار والانطباعات والذكريات تتتابع في حركة عجيبة تأتي وتزول ويحل محلها غيرها
وتعود إلى الظهور مرّة أخرى. تكون متميزة عن الجسم على الرغم من ارتباطها بالجسم.
§
النظرية التفاعلية
"interactions" في تفسير
العلاقة بين الجسد والعقل، ويرى صاحب النظرية التفاعلية أنّ العقل والجسم يرتبطان ببعضهما
بعضاً أو يؤثران في بعضهما بعضاً، الجسم يؤثر في العقل، والعقل يستجيب لتأثير الجسم.
وهذه النظرية ترى أنه توجد علاقة علّية بين النفس والجسم من جهتين، فالحالات النفسية
والعمليات العقلية تؤدي إلى إحداث تغيرات معينة في الجسم، كما أنّ بعض التغيرات الفسيولوجية
في الجسم تكون علة لأحداث حالاتنا النفسية وعملياتنا العقلية. فالنفس تؤثر في الجسم،
على سبيل المثال يؤدي الإحساس بالجوع إلى تقلص المعدة، فالبحث عن الطعام، وانفعالات
الخوف والغضب يصطحبه مزيد من إفراز العرق وارتعاش العضلات والأطراف ونشاط مفاجئ في
خلايا المخ.
§
نظرية الموازاة
النفسية الجسمية: كل ما هو عقلي ومادي يوجدان معاً على نحو يوازي فيه أحدهما الآخر،
لكنهما غير متصلين معاً سببياً.
بعض النظريات المادية في العقل، والتي تفسر
العلاقة بين العقل والجسد :
§
النظرية السلوكية
"Behaveriouism"
صاحب هذه النظرية
السلوكية في العقل يذكر أنّ العقل مجموعة من الموضوعات، ويرى أنه لكي تملك عقلاً يكون
ببساطة أن تسلك بطريقة مادية، أي تتصرف بطريقة مادية.
§
نظرية الحالة المركزية
التي تقول بتطابق الحالات العقلية مع الحالات المادية بدرجة كبيرة، وبصورة تامة في
الجهاز العصبي المركزي.
نظريات متوسطة بين ماسبق :
§
(نظرية الخاصة
أو الصفة المميزة Attribute theory)
تعتقد هذه النظرية أنّ الإنسان على الرغم من
أنه جوهر فردي مستقل، فإنه يملك خصائص وصفات أخرى غير مادية لا يمكن اختزالها وتحويلها
إلى خصائص وصفات مادية، وامتلاك هذه الخصائص أو الصفات تجيز لنا أن نقول إنّ الإنسان يملك
عقلاً، ويرى صاحب نظرية
الخاصية المميزة أنّ هذه الخصائص لا تكون خصائص لكل الجسم، ولا لجزء ما خاص، وهذه
الخصائص تصبح موضوعاً للحالات العقلية التي توجد بطريقة أو بأخرى مرتبطة بالجسم،
على الرغم من أنها تكون مختلفة عن الجسم.
لكن دعونا بعيداً عن التعقيد نرجع
للسؤال الأهم و الذي لن يعرف جوابه و يفسّره أحسن تفسير سواك .. ما طبيعة علاقتك
بجسدك ؟
-
علاقة اضطهاد : لماديّته و متطلباته و رغباته
فأنت في حالة قهر له أو تعذيب أو ردع أو تأنيب .
-
علاقة ندّيّة : يغلبك تارة و تغلبه تارة أخرى
، ينافسك فيما يريد و تهزمه بما تريد ، تتسلط عليه حيناً و تستسلم له حيناً آخر .
-
علاقة تهميش و إقصاء : لا يعني لك كثيراً ،
تجهله ، تهمله ، لا تهتم لما يطلب ، لا تستجيب لرسائله ، لا تفهمه و لا تسمع منه .
-
علاقة حرب : و كأنه خصم تسعى للانتقام منه
بشتى الطرق، تحمّله ذنوبك، تنفث فيه غضبك ، تصهر في أنسجته حزنك، تكبت في أغواره
عُقدك .
-
علاقة رفض و ازدراء: النظرة الدونية له،
العار منه، الاعتراض على تفاصيله، وجوده، الخوف من إظهاره، الاشمئزاز من طبيعته،
الامتعاض من استجاباته، السخط من استغاثاته، الرغبة في قولبته و إعادة خلقه .
-
تُرى أي من تلك العلاقات سويّة ؟ و هل نحن
عالقون في إحداها أم نمثل أحياناً مزيجاً منها ؟
أليس حقاً نحتاج لعقدِ ( السلام ) مع أجسادنا
؟
· السلام مع الجسد في رايي يتمثل في عكس ما سبق ..
أن ننظر إلى الجسد باعتباره الوعاء المادي الذي خلقه الله ليسكب فيه الروح ،
و جَبَله على رغبات و احتياجات تناسب وجوده و استمراره على هذا الكوكب ، هو صديق
وفيّ إذا أردنا أن نصادقه، و مستمع جيد إذا أردنا أن نحكي له، و متحدث صادق إذا
تكلم معنا، تابع مخلص إذا طوّعناه، و قائد مدمر إذا تبعنا له، السلام و الانسجام
خير ما يجب أن نحافظ عليه بيننا..
القبول هو المفتاح .. و الحب هو
الدليل.. و الاتصال هو الوسيلة ..
ما العلاقة الجميلة اللطيفة الصحية التي نكون عليها مع أجسادنا لنتمتّع
بحظٍ وافرٍ من الحب و العافية و السلام و الرضا؟
